الأحد، 20 نوفمبر 2011

مدخـل إلــى نقد الصحـافـــة


بقلم : المختار محمد يحيى
ما أحوج الساحة الإعلامية إلى من يزيل عنها الغبار، ويمسح عنها لون الفسولة الذي يبهت واجهتها ، وما أحوجها إلى من يضفي عليها لمسة غير أخيرة بل ويضيف إليها مادة عصرية مهنية ، فالإعلام الموريتاني بشكل عام ما زال يسير ببطء و باستحياء ايزاء التخلف - مذ ولد- والصحافة المكتوبة هي الأوسع انتشارا إلا أنها مرتع له بشكل خاص ، رغم كل الجهود التي يقوم بها النقابيون الصحفيون ، فمتى يجيء اليوم الذي تفرح فيه الأسرة الصحفية ، ويلعب أولادها وحديثو السن فيها بالبراح الذي أوسعته الأسرة بتجاربها وحنكتها ومهدت ثراه إبان مواجهتها للظروف العصرية والمالية الصعبة في هذا البلد !.


فكم من مرة قرأنا جرائد على واجهاتها عناوين براقة وجذابة ، تخفي أشعتها – عنا - ما سواها , وتحمل الكثير من الإثارة التي تصيب بها الناظر ليطر إلى قراءتها ، والتي لا تعدو أن تكون قوالب جامدة ، وأكليشيهات يملؤها الصحفيون من كلام لا طائل من ورائه لا للجمهور ولا للجمهورية ، فهؤلاء الذين لا يؤمنون بأهمية الرسالة التي يؤدونها يكونون خائنين لمهنتهم ولوطنهم.

ترى في الصحف صورا كبيرة تنتشر في صفحاتها لكي يخفي المحرر قلة ما جاء به من أخبار ، أو معلومات قد تفيد الجمهور ، ووصل بهم الأمر إلى المضي قدما في دأبهم هذا ، فتراهم قد استنسخوا العمودين في الصفحة اللذين يمثلان نص الموضوع المقرر عنه ، ليصبح التقرير متكونا من أربعة أعمدة ، وهذا لتغطية الفراغات التي تظهر عليهم شمس الإخفاق ،والتي يعكس بياضها عدم جدارتهم بمهنتهم .

وكثرت حالات التقارير وعناوينها المتكلمة في موضوع معين وعندما نقرأ التقرير لا نجد فيه سوى فقرة واحدة تدخل في صلب موضوع التقرير والباقي مجرد كلام معسول لا مسوغ من وجوده تحت ذلك العنوان ، ذلك الكلام والذي يسعى صاحبه إلى إيجاد علائق بينه وبين تفاصيل الموضوع بل واختلاق نقاط اشتراك وعادة ما تكون عملية خلط مفضوحة ولا حجج للمتلاعب سوى تلك الواهية .

عندما نرى صحيفة الحوادث الأسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 27 فبراير 2011 وتحديدا في الصفحة الـ 5:

"فضائح النجوم وصلت إلى قضبان السجون " عنوان يعترض المتجول بنظره في الصحيفة ليرغمه على الإطلاع ولكن للأسف ينصدم" الناظر" عندما يقرر" القراءة " فهو كلما قرأ عاد إلى الوراء في القراءة فهذه المقولة - المتجسدة في شكل تقرير والقابعة في هذه الصفحة - تتكون من أربع أعمدة ففي الحقيقة هي عمودين فقط اللذين يمثلان التقرير ولكن تم نسخهما في عملية سافرة قام بها الصحفي لإخفاء فشله الذر يع أمام تقديم مادة تملأ الفراغات العريضة في صحيفته التي يعمل بها ، حتى العنوان شابه خطأ مطبعي .


فما بال هذه الصحف العاجزة عن تقديم النادر والجديد في أن تملأ صفحاتها من المادة الثقافية العامة ، أدبا أو اكتشافات إلى آخرها والتي قد تزيد بها في فكر المواطن والعامي المتخلف- هو – أيضا , وفي نفس الوقت يكون الصحفي المخفق قد نجح في قطع الأصابع المنبعثة من الفراغات والتي تشير إليه باستمرار فاضحة إياه ، كما يكون قد كفى الصحيفة التي ينتمي إليها من اللوم والنقد الذي سيوجه لها معلنا أو غير معلن والذي يعطي للصحيفة المكانة التي تستحق لا أكثر .


لقد صار من العادي والشائع وجود الأخطاء في عروض المقالات والتقارير والأخبار إلى غير ذلك من أجناس الكتابة الصحفية ،هذه الأخطاء التي غالبا ما تكون إملائية فيسكت عنها فصار ذلك السكوت من النافلة عزوه إلى الطباعة ، فهل يعني ذلك وجود صحافة لا تجيد الإملاء ولا الطباعة ولا التحرير الباحث عن أخطاء والمقوم للخطاب اللغوي المباشر الإعلامي ؟


أحيانا نقرأ خبرا وتنتهي فقراته بدون أن نفهم طبيعة الخبر بشكل جيد ، حتى أنه يقتطع الخبر لأسباب تافهة ،أو لا تجد لهذا القطع مبررا لعدم إتمام وحدة الخبر الدالة , فنرى صحيفة السراج اليومية في عددها الصادر بتاريخ 27 فبراير 2011 وفي الصفحة الـ 6 خبر يتكلم عن" تصريح لإمام مسجد في عرفات" نجد هذا الخبر مقتطع الذيل ، والذي قد يحمل المعلومات الدالة على ما آلت إليه الأمور في الخبر ، وتصدم إذا لاحظت الإعلان الذي يزاحمه ، والذي أخذ أهمية المصمم أكثر من الخبر الذي أنشئت الصحيفة من أجله .


الإعلان صار أهم من الخبر، وصار ذا مكانة على حساب المكانة التي يحظى بها الخبر المعلوماتي الذي يمثل حزمة من القضايا اللغوية ،و يتصدر قمم واجهات الصحف العالمية الإخبارية عامة التي كانت السباقة إلى الفن والتي ننجر خلف سننها لتخلف الأمة التي نعيش فيها ، فلا بد من ومن الخبر اشتق اسم الصحف , وهذا القطع الذي حدث لاشك أن له بالغ الأثر على أفق انتظار القارئ الذي يقرأ لا لأنه يحب القراءة بل لأنه يريد أن يعرف ماذا حصل في الموضوع الذي استولى على اهتمامه .


كل هذه ملاحظات قليلة في بحر من ملاحظات أخرى والتي لم يهتم أحد من المختصين في هذا المجال بها، ألا وهو مجال الإعلام الموريتاني ، وعدم وجود من يقوم الاعوجاج والبحث في أسباب الضعف في العمل الإعلامي ، والصحفي خاصة من أجل تجنب أسباب الأخطاء، يدفع من لا خبرة له مثلي للنقد الساعي إلى إظهار نقاط الانحراف ، و الازورار عما هو صحيح في خبرة متراكمة جعلت معظم العاملين في الحقل ذوو احتراف وإبداع لا يستهان بهما ، ومني العمل الصحفي بأمراض تتراوح بين الأخطاء التركيبية ، وكذلك الصياغة التي تلزم التركيب و الحذف والنقص المتفشيان فيها، والإهمال في التصميم للصفحات والأخطاء الإملائية المشينة على من يمتهن هذه المهنة العزيزة .


,وكل هذه الملاحظات التي استطردت تهدف إلى تحريك الهمم وفتح باب للنقاش و محاولة خلق فعالية تغير واقع الصحافة التي لا ينقصها سوى الاحتفاء بما تقدمه للجمهور الذي تلعب دورا كبيرا في تثقيفه ، وكما أخذت –مكتفيا- بملاحظتين كأدلة فلقد كانتا من إصدار يوم واحد فلا يجهد البحث لا في أرشيف ولا في حديث عن مثل هذه الأخطاء ، كما هدفت إلى نقد بناء يصب اهتمامه على الصحافة المكتوبة الموريتانية من أجل السعي إلى تطويرها وإثراء المنتج المقدس ..."يتواصل ".
من زادنا النقد زدنا في مودته *** وما يطلب الإنسان إلا كل رجحان

(بيت بشار بن برد)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق