الثلاثاء، 3 يناير 2012

الشباب و الإنحراف .. مقاربة تحليلية

بقلم: زينب بنت محمد يحيى

الشبــاب .. "دوره .. وزنه .. بالنسبـة لأي شعب أو أمة .. مكانـه في قــاطرة النهضــة "، كلهـا عناويــن و أبواب لنقاشـات لا تتوقف بين مدارس متنوعـة ومشارب فكريـة متفقــة في جوهريــة الدور ، و إن اختلفت حــول نمط الانتشـال من مزالـق الانحــراف عـن وجهتـه الرياديــة.


وهنا لا يمكن لأحد أن يجادل أو يشك في وحدة محطة الوصول ، فمهما تجولنا في عالمنا الإسلامي فلن نجد اتجاها إلا وبغيته التقدم و التميز لأمتنا و إن تعددت النظريات و الآراء.  فهل ما زالت كل الطرق تؤدي إلى روما ؟ لا أظن ...بل أعتقد أن بعض الطرق قد تلتف التفافا خطيرا ليفاجأ سالكها بأنه عاد إلى نقطة الصفر ، هذا إن لم يرجع محملا بنتائج سلبية كان في غنى عنها.  هذا التباين في الطرح و التناول منشأه الاختلاف حول تشخيص وعلاج الانحراف كظاهرة تعني الخروج عن الخط و الميل عنه وهو من المعاني الملازمة للحركة و السير ، فلا ينحرف من كان واقفا جامدا في مكانه ، وبقدر زاوية الانحراف تتحدد النهايات و النتائج.

إن الوعي بالانحراف كظاهرة لها جذورها و تحدياتها أمر لا مناص منه لتشخيص المشكل و اشتقاق الحلول المناسبة له في ظل واقع متغير يفرض عليها إعادة تشكيل مرتكزاتها و أبجدياتها في عصر الثورات الشبابية.

إن حصر مظاهر الانحراف الشبابي شيء يقارب الاستحالة نظرا لما يطبعها من تجدد و تنوع لكن التحليل الفاحص لانعكاساتها في الساحات لا بد أن يجد من خلال بؤرا تشكل مدارات متعددة لهذه الظواهر ، فرؤية الشاب لحياته ، غاياتها وطريقة عيشها، وعلاقته بالأجيال ، ومكانة بعض المعاني الكبرى في وجدانه كالوطن و التاريخ و المستقبل ، وعلاقته بالمجتمع و بالجنس الآخر ، كل هذه مجالات تفرز سيلا جارفا من الممارسات و المسلكيات.

ونجد هنا في هذه المقاربة التي تؤسس لتحديد البؤر من خلال تشخيص دقيق يقدم حلولا جذرية و فعالة و يجافي المسكنات العرضية و الآنية التي لا تأتي بنتائج إستراتيجية.

فعلى سبيل المثال تعتبر فوضى اختلاط المفاهيم بؤرة يدور في فلكها عدد غير محدد من مظاهر انفصام بعض الشباب عن واقعهم وتاريخهم و ثقافتهم وهي فوضى تضيع خلالها نقاط التقاء الأجيال سلفا بخلف ليصير الحال إلى تقوقع كل طرف على ذاته مع كثير من الأحكام  أحادية الجانب في متتالية من الأفعال وردود الأفعال تفتقر إلى الحكمة و العمق الكافي.

ولئن كان بعض الدارسين لتطور الظاهرة و أسبابها  يرجعها إلى تراجع دور الأسرة التي لا هي الحاضنة الأولى و الوحدة الأساسية في المجتمع ، و انحسار دور المؤسسة التعليمية التي هي البيت الثاني بعد الأسرة ، فإن ثمة عاملين أساسيين يمكن أن نعتبرهما في عصرنا الحالي أبرز مسببات استفحال هذه الظاهرة ، أحدهما يتعلق بالوسائط الإعلامية التي أصبحت جزء من حياة الشباب يساهم في جرفه عن سبيل الحق و منبع الأخلاق و تأتي في مقدمة ذلك أغلب القنوات الفضائية التي تمثل ـ  في حالة عدم تقنين المشاهدة ـ الخطر اليومي المداهم الذي يسكن البيت كفرد من أفراد الأسرة ويحتل أحيانا موقع المعلم لكل العادات الغربية السيئة التي يجتمع الصوت و الصورة  و اللون على تشكيل رسالتها.

وبموازاة هذا العامل يلوح في الأفق عامل آخر لا يقل خطورة هو مأزق الفراغ و البطالة حيث لا يتناسب هذان المظهران مع شريحة عمرية ممتلئة  بالنشاط  و الحيوية و الاندفاع ، وحسب الحياة ويثبت الواقع أن هذين العاملين كانا سببا للعديد من الجرائم و الجنح و الجنايات و الانحرافات خاصة إذا لم يكن الشباب من ذوي المهارات أو المواهب أو الاهتمامات الثقافية و العلمية.

و انطلاقا من هذا يجب أن لا نتساهل في تقدير الواقع الذي يعيشه الشباب ، و أن نعمق نظرنا في مشاكله ، كما أنه من الخطأ الفادح إساءة الظن بإيجابيات الشباب وعدم تحرير تفكيره و طاقاته فهو المارد الذي إن صلح يمكن أن يقفز بأمتنا إلى مراحل متقدمة من الرقي و الازدهار.

فالعلم و الحوار و التأطير و التثقيف وغرس القيم الإسلامية وتعميق الصلة بالجذور الثقافية و التاريخية أساسيات لا يمكن أن يخلو منها أي دواء لمثل هذه الظاهرة.      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق